رابح بلحمدي: قراءة سيميائية لرواية “أوراس الثورة حتى لا تنسى”
تأليف الشاعر رابح بلحمدي
“مامة أوث ﭭا ﭭا” امرأة شاوية جزائرية ولدت لتكون في قلب معركة التحرير
امرأة بين الادغال تجري، تمشي، تزحف، تختفي، تفعل كل ما يفعله هؤلاء الرجال، هؤلاء الثوار
إنها *مامة أوث ﭭا ﭭا *ان اسم مامة بالشاوية يعوضه اسم فاطمة بالعربية اما اسم ﭭا ﭭا فيعوضه بالعربية اسم بلقاسم لأنه بمجيء الإسلام اتخذ البربر أسماء عربية، فمثلا اسم محمد بالعربية يلفظ إما بوحه أو مُحنْد او أُ ُمحند وهكذا.
ad
كانت فاطمة الشاوية فتاة لم تدرك السابع عشرة من عمرها، يطاردها الموت من كل جهة، فتوهب لها الحياة، طائرات فرنسا أحرقت كل شيء إلا قلبا ضل ينبض حتى الاستقلال، قررت حفيدتها وهي ابنة ابنها سي لخضر الاسم الثوري ل علي عوشن أب الكاتبة والأستاذة لويزة عوشن
جرى الحوار مع جدة تحكي قصتها لتؤكد ما تستطيع ان تفعله امرأة من تحدي ومواجهة المخاطر، وهذه ليست طفرة لما روي لنا، من ملاحم، كانت المرأة نموذج التضحية والشجاعة كفاطمة نسومر، وجميلة بوحيرد، وحسيبة بن بوعلي، نهيك عن نساء، لم يتحدث عنهم التاريخ، كن في قلب المعركة في الريف والمدن.
عنوان الكتاب فيه نية ثورية، في فكر حفيدة من اسرة ثورية وقبيلة ثورية ومنطقة كانت مهدا للثورة بلا منازع.
العنوان جد مضغوط، إذا لم تحسن تفكيكه انفجر كلغم لا يبقي ولا يذر إن ما يخفيه هذا العنوان من علامات ودلالات غير متناهية لأمة تجري الثورة في دمائها، قبل هدا الزمن، وبعده والى الابد،
في مورثاتها النفسية والاجتماعية ولا تلد الأسود الا الأسود.
“أوراس الثورة حتى لا ننسى” اذا تحدثنا عنه فنحن امام طوبوغرافيا منطقة مثالية لحضن ثورة، أُوبلعيد أي بن بولعيد بالشاوية، طبوغرافيا عسكرية لمن لاذ و تحصن بها ، فجبالها عالية أعلى قمة بها شيليا بلغت 2328مترا، غابات كثيفة، بشعابها ووديانها المتشابكة، تخفي ما يحدث في هذا العالم الرطب الذي يتميز بقسوة شتائه حين تتساقط الثلوج ،ساعدت بتضاريسها على التواصل والاتصال ، ساعدت في تهريب السلاح عبر ممرات كثيرة ،منها المرور إلى تونس ومن ثمة الى ليبيا ومصر الى أوربا او نحو الجنوب او الغرب عبر السلاسل الجبلية .
ومازدا هذه المنطقة قوة ومناعة سكانها الشاوية، وهم قبائل بربرية دخلت في الإسلام و اختلطت بدماء عربية مباركة انها دماء الفاتحين، فصارت بذلك الحصن الحصين لهذا الدين وسدا منيعا الى اليوم لمختلف محاولات فرنسا وطابورها الخامس لتقسيم الجزائر والتدخل في شأنها .
كلمة الثورة في هدا العنوان صخرة من ماس أضاءت الدنيا بنورها، ليسترشد بها كل من كابد نير الاستعمار في هدا العالم.
الثورة كلمة متوجة بأداة التعريف لمعهود واحد هو الثورة الجزائرية التي قال عنها الكاتب والشاعر السوري الكبير أدونيس: إن النضال الحقيقي عند العرب كان ومازال وسوف يبقى في الجزائر.
أما كلمة حتى لا ننسى فهده العلامة لها مدلول واضح ان رموز هذه الثورة مستهدفة بأفة النسيان والتشكيك في غاياتها ومراميها من طرف فرنسا وطابورها الخامس، وتكريس هذه العملية بكل وسائلها الإعلامية كما قالت المؤلفة لويزة عوشن: بتهميش رجال ونساء صعدت الى الجبال ولم ترجع الا بالحرية وإخراج الغزاة …
ان مقاومة الشعب الجزائري طويلة: من مقاومة الأمير عبد القادر، مقاومة احمد باي، بومعزة، الز عاطشة، لالا فاطمة نسومر، الثورة الكبرى نوفمبر 1954 بدأت برجال عرفوا التجنيد والسلاح خلال الحرب العالمية الثانية والتجنيد القهري ثم الوعود الكاذبة بإعطاء الحق لأهله ادا انهزمت المانيا النازية لكن المكافأة كانت مذابح سطيف، قالمة، خراطة، 45 ألفا من الشهداء.
الوقت مناسب ما اخد بالسلاح يسترد بالسلاح فكانت ثورة التحرير وجيش التحرير وجبهة التحرير وكانت مع هذا الزخم النضالي قصص كثيرة لرجال ونساء ،اختاروا النصر أو الشهادة ومن هذه القصص قصة الشابة التي لم تكتمل مرهقتها مامة اوث ﭭا ﭭا أو فاطمة الشاوية زعتر الوحيدة لدى ابيها ،كم تمنت ان يتزوج ابوها امرأة ثانية، ليكون له أولادا كثر مثل أعمامها ،كانت بنتا بروح كل الأولاد عودة الاب بلقاسم من تجنيد الحرب العالمية الثانية 1939/ 45 19 إلى قرية تنوغيست حينها كانت طفلة تطبخ، تغسل، تغزل الصوف، تسرد البطلة قصتها عن خروجها إلى الحقول مع أبيها لجني المحصول تلتقي أول مرة بمجموعة رجال بزي عسكري تحت القشابة يحملون أسلحة وخراطيش …….
تحكي عن زيارات ليلية للمجاهدين، وكيف كن يخبزن ويطعمن، تحكي عن الخيانة وسقوط اول شهيد القرية منور العربي عمها الذي التحق بالثورة 1954عائدا من فرنسا، حيث كان عاملا في السكك الحديدية بين نانسي وليون.
تحكي عن الجواسيس المدسوسين في الثكنات العسكرية يعملون لصالح جيش التحرير، وحركا أخرين باعوا دينهم ووطنهم.
تحكي عن زواجها من ابن خالها وهو جاسوس للثوار في معسكر فرنسا، تحكي عن يوم الوشاية بها الى جنود الاستعمار بتهمة حملها الاخبار، والمؤونة للمجاهدين، تحكي عن سجنها ثم هروبها والتحاقها بالجبل ……
تحكي عن رفيقاتها كن يطبخن ويغسلن ويعملن مسعفات للجرحى، تحكي عن صنع الادوية بالأعشاب البرية لعلاج الجروح مع ادوية صيدلية ….
تحكي عن تزويجها بعد استشهاد زوجها الأول، بجد الروائية لويزة عوشن، لتنهي الكاتبة سردها على لسان جدتها* مامة اث ﭭا ﭭا* لما سألتها كيف لم تنسي كل هذه الاحداث؟ فقالت: تتراءى لي الاحداث كأنها حدثت بالأمس فقط، فهي محفورة في ذاكرتي ولن يمحيها الا الموت، وأضافت كيف أنسي أحلي أيام قضيتها مع أناس أحبوا الله والوطن واستشهدوا من أجل ذلك …….
ان أحداث هذه الرواية الواقعية فشهودها ومشاهدها جرت في عرين مصطفى بن بولعيد لتصل إلينا بالسند العالي عن طريق الحفيدة الروائية لويزة عوشن، التي نقلت روايتها الى قرائها إلى أجيال جديدة ترتوي من هذا المعين فلها الشكر الجميل والثناء الحسن.